17 - 07 - 2024

تباريح | متى يتم تفكيك "معسكر 22" المصري؟

تباريح | متى يتم تفكيك

(أرشيف المشهد)

  • 18-12-2015 | 17:23

هل يعرف الرئيس عبد الفتاح السيسي عدد السجناء في مصر ؟ إن كان يعرف ، فكيف يداعب النوم جفونه وتحت سريره (أو عرشه .. لافرق) كل هذا الكم من الأوجاع والآهات والحسرات والدموع ، وإن لم يكن يعرف ولم تتناهى الأرقام إلى مسامعه ، أو لم يكلف نفسه عناء السؤال عنها ، فمن الذي يحكم ؟ ومن ذا الذي تعلق في رقبته المظالم ، أو يفترض أن يتقدم له الناس بالشكوى؟

في حدود ما هو معلوم وشائع فإن السجون وأماكن الاحتجاز تُغيًبُ عشرات الآلاف وراء أسوارها ، كم عددهم على وجه التحديد؟وكم من بين هؤلاء مثلوا أمام النيابة أو يحاكمون أمام القضاء ؟ ألف ألفان ثلاثة آلاف ؟ لا أظن أن الرقم يمكن أن يتجاوز ذلك ، ومن ثم فإن السؤال اللاحق : ولماذا يبقى من لا يحاكمون رهن الاحتجاز لهذه المدد الطويلة ؟

يمكن للمرء أن يستوعب اتخاذ الأمن في ظروف عصيبة – كالتي مرت بها مصر بعد 30 يونيو 2013 - خطوات استثنائية وقائية عبر القبض على نشطاء بعينهم يملكون أن يحركوا الشارع أو يحشدوا المظاهرات المناهضة للسلطة ، لكن اجراء مثل هذا كان ينبغي أن يكون وقتيا ومحدود النطاق ومحكوما باجراءات قانونية سليمة لاتخالف الدستور ولا تروع قطاعا من الشعب ، مهما اختلفنا معه ، تظل حقوقه القانونية والدستورية مصانة . لكن أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة ، وأن يتم تغييب أناس وراء الأسوار لسنوات ، وأن تمارس ضدهم انتهاكات بشعة ، فهذا لا يمكن أن يقبله أي حر لا لنفسه ولا لغيره.

خلال الأسبوع الماضي وحده تم ترويع قطاع كبير من المصريين عندما تسربت صورة لسعد الكتاتني رئيس البرلمان السابق ، وقد بدا عليه الضعف والهزال بعد أن كان منتفخ الأوداج يوم احتجازه ، كما نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا عن تعذيب واغتصاب طفل لا يزيد عمره عن 14 عاما لإجباره على الاعتراف بانتمائه لجماعة الإخوان المحظورة. ويمكن أن تتسرب تقارير أخرى في الأسابيع المقبلة عن انتهاكات أكثر بشاعة ، وحينها سيخرج الرئيس مرة أخرى ليقول أن هذه ممارسات فردية ، كما وصف في وقت سابق حالات تعذيب إلى حد الموت داخل أقسام الشرطة.

ورغم الحملة الدعائية لشيطنة الإخوان ومناصريهم والمتعاطفين معهم ، فإني أجزم أن الواقعتين مثلتا غصة في حلق أتباع النظام والمدافعين عنه ، فكثير ممن خرجوا في 30 يونيو 2013 إنما فعلوا ذلك طلبا للحرية ولدولة العدل ، ولم يخطر ببالهم أن تكون النتيجة نظاما قمعيا ينتهك الحقوق ، وينتهج الاستبداد ، ويقصي قطاعا من الشعب بذريعة توفير الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي .

صحيح أن التحديات ضخمة ، وأن أنظمة اقليمية وعالمية تتمنى أن تسقط مصر في فخ الفوضى ، لكن ما يجنب البلاد الخطر ليس الإجراءات والانتهاكات التي تمارس يوميا ضد الحرية وحقوق الانتهاكات ، بل بتثبيت أركان دولة عادلة تراعي حقوق وحريات خصوم النظام بنفس القدر الذي يتاح لأنصاره . لا نريد ونحن مقبلون على الذكرى الرابعة لثورة يناير العظيمة أن تتحول سجون مصر إلى مايماثل  معسكر 22 في كوريا الشمالية الذي تم تفكيكه عام 2012 ، لا نريد أن يرتبط اسم مصر ولا أي نظام يحكمها بممارسات وحشية ضد سجناء عزل تحت أي ذريعة ، ومن ثم فإن تفكيك السجون وأماكن الاحتجاز واجب وطني غير قابل للتسويف.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!